أقارب معتقلي “جو” يكشفون للحرة ما يحدث خلف القضبان.. والبحرين ترد

يعيش السجناء السياسيون أوضاعا مأساوية داخل سجن في البحرين، ويتعرضون لـ”الانتهاك والتعذيب ومنع الأدوية، والحبس دون التعرض للشمس، ووضع قيود على ممارسة الشعائر الدينية”، ما دفعهم للإضراب عن الطعام، وفق أقارب للسجناء ونشطاء تحدث معهم موقع “الحرة”.

والاثنين، تعهدت السلطات البحرينية منح السجناء بعض الحقوق الإضافية أبرزها زيادة ساعات الزيارات، في خضم إضراب عن الطعام ينفذه مئات النزلاء ويقول ناشطون إنه الأكبر على الإطلاق في تاريخ السجون في البلاد.

وأعلنت وزارة الداخلية البحرينية أنها ستقوم بـ”مراجعة نظام الزيارات للنزلاء وتطويره ليشمل زيادة التوقيت وتعديل قائمة الزوار”.

وحسب ما ذكرته الداخلية البحرينية فهي تعتزم النظر في إمكانية “زيادة وقت الاستراحة اليومية (التشمس)”.

لكن هذا البيان لم يهدئ غضب السجناء في مركز الإصلاح والتأهيل المعروف باسم “سجن جو” والذين قرروا مواصلة الإضراب عن الطعام الذي بدأوه مطلع أغسطس.

ما الذي يحدث بسجن “جو”؟

يشارك نحو 800 سجين في الإضراب، وعدد كبير منهم معارضون معتقلون منذ 2011 خلال حملة قمع احتجاجات قادها الشيعة للمطالبة بإصلاحات سياسية، بحسب معهد البحرين للحقوق والديمقراطية ومقره بريطانيا.

لكن السلطات البحرينية تقول إن 121 سجينا فقط يشاركون في الإضراب، وفق ما ذكرته وكالة “فرانس برس”.

وفي تصريحات لموقع “الحرة”، يتحدث علي مهنا، والد السجين السياسي حسين، عن استمرار نجله في الإضراب عن الطعام لليوم الـ24 على التوالي، بعد انتزاع اعترافات منه تحت التعذيب ليحكم عليه بالسجن 38 عاما وشهرا واحدا.

وسجن نجله في عام 2017، بتهمة “الاعتداء على شرطي”، بينما كان عمره لا يتجاوز 20 عاما، واعترف بتلك التهمة “الملفقة” تحت التعذيب، وحكم عليه بالسجن 5 سنوات، حسب توضيح والد السجين.

وبعد حبس حسين بأسبوعين، تم استدعاؤه للتحقيقات الجنائية في مبنى 15 بسجن جو وتعرض لـ”تعذيب وحشي بقيت آثاره لسنوات”، وتحت هذا التعذيب اعترف بالانتماء لحزب الله البحريني وحكم عليه بالسجن المؤبد، وأضيف على المدة عام آخر بتهمة “الإيواء”، وفق شهادة مهنا.

وفي 10 أغسطس 2022، تم نقل حسين لسجن العزل بمبنى 3 وتم اتهامه بمحاولة الهروب، وحكم عليه في يناير الماضي بالسجن 7 سنوات أخرى.

وفي شهر يونيو من العام الحالي، اتهم بـ”إهانة شرطي”، وحكم عليه بالسجن شهر، وبذلك أصبح مجموع أحكامه 38 سنة وشهر، حسب مهنا.

ويكشف أن نجله يقبع في سجن العزل منذ “سنة و3 أسابيع كاملة”، بعدما تم وضعه هناك منذ 10 أغسطس 2022 حتى يومنا هذا.

ومن جانبها تتحدث زاهية، وهي شقيقة السجينين بسجن “جو”، محسن وعباس، عن “أوضاع غير إنسانية داخل السجن”.

وتم القبض على عباس ومحسن في ديسمبر 2014، بتهم “ملفقة وكيدية”، على خلفية الاحتجاجات التي شهدتها البحرين، حسب حديثها لموقع “الحرة”.

وتقول “آخر مرة شاهدت فيها عباس ومحسن منذ عامين، ويعانيان من تردي الأوضاع وعدم الحصول على رعاية طبية مناسبة وتم منعهما من استكمال التعليم”.

وتكشف ملابسات عن سوء الرعاية الصحية، وتقول “يتم إعطاؤهما علاجات لا تناسب حالتهما المرضية، ولا يتم تشخصيهما بشكل مناسب، ولا توجد كفاءة لدى الطاقم الطبي الموجود بالسجن”.

وبسبب ذلك تعرضا لـ”انتكاسة صحية”، وتم نقلهما للمستشفى دون إبلاغنا، وعلمنا بالأمر “صدفة”، بعد انقطاع الاتصالات الهاتفية معهما، وفق شهادتها.

وداخل السجن الأوضاع “غير آدمية” فلا يوجد “مستلزمات للنظافة الشخصية” ولا توفر السلطات “أدوات لتناول الطعام”، حسبما تؤكد زاهية.

وتوضح أن أهالي المساجين يقومون بدفع “تعريفة الاتصال الهاتفي، وشراشف الأسرة، والبطانيات، والوسادات”.

وبسبب منع التشمس وقلة النظافة، انتشرت الأمراض الجلدية بين السجناء وعلى رأسها “الجرب”، وأصيب البعض بمرض السرطان، وتتجاهل إدارة السجن علاجهم ولا تسمح للأهالي بعلاج ذويهم، وفق زاهية.

وتشير إلى “إجراء عمليات جراحية لبعض المساجين” دون علم الأهالي.

ضرب وتعذيب وانتهاك جسدي

يقول علي مهنا، والدموع تغالبه “رأيت بنفسي آثار التعذيب على جسد نجلي الوحيد، ويؤلمني ما يجري له، وحزني عليه بلا حدود”.

وتحت وطأة التعذيب تم إجبار نجلي على الاعتراف بتهم لم يرتكبها، وحتى الآن لم يحاسب من قام بتعذيبه، وفقا لحديث والد السجين السياسي.

ومن جانبها، تشير زاهية إلى تعرض شقيقها محسن للضرب بالعصا والهراوات، وتقول إنه أجبر  على “التعري”، وتم تعذيبه بـ”الفلقة”، وتعليقه رأسا على عقب لمدة ١٠ ساعات متواصلة.

وتعرض شقيقها عباس أيضا للتعذيب، ما تسبب في إصابته بكسر بالأنف ونزيف داخلي من شدة الضرب.

وتؤكد أن بعض السجناء تعرضوا لانتهاكات أوسع على رأسها “إطفاء السجائر بالجسد، وخلع الأظافر والأسنان”.

انتهاكات “خارج أسوار السجن”!

بصوت يملؤه الحزن والألم، يتحدث عبد الهادي علي أحمد، وهو شقيق السجين محمد حسن علي أحمد، ووالد السجين جواد عبد الهادي، لموقع “الحرة” عن “انتهاكات وضرب وتعذيب للسجناء داخل وخارج أسوار السجن”.

ومنذ 8 سنوات، تم اعتقال شقيقه بتهم تتعلق بـ”الإرهاب” وحكم عليه بالسجن 25 عاما، وخلال الفترة الماضية تعرض لـ”التعذيب العنيف”، وتم حرمانه من الحق في العلاج وتلقي الرعاية الصحية.

وبسبب التعذيب داخل السجن والإهمال الطبي، تعرض لـ”كسر في فقرات الظهر وعظام الورك”، وأصيب بـ”ضعف البصر والنظر”، ومشكلات بـ”المسالك البولية”.

ومنذ 5 أيام، كان لدى شقيقه موعد لـ”إجراء عملية الفتاق”، وتم نقله إلى المستشفى العسكري للعرض على الطبيب الذي أخبره بعدم إمكانية إجراء العملية لأنه “لم يتلق الأدوية التي تسبق الجراحة، بسبب وجود مشكلات لديه بالمسالك البولية”.

وعندما أخبر شقيقه الطبيب بأن “الأدوية لم تصل إليه”، تدخل رجال الشرطة واعتدوا عليه بالضرب المبرح داخل غرفة المعالج.

وبعد ذلك تم إخراجه من الغرفة، واعتدى عليه 4 رجال أمن على الملأ داخل المستشفى، ما تسبب في تعرضه لـ”كدمات بالكتف والرجل، وانتفاخ بالصدر، وتهتك بعصب أحد الأصابع”.

ولا يتم السماح بدخول الأدوية والعلاجات التي يحتاجها شقيقه، ولم يتم حتى الآن محاسبة من اعتدوا عليه، وفق قوله.

ويتحدث عن نجله في حسرة، ويقول “ابني كان متفوق ومن الأوائل، وكان على وشك التخرج، لكنهم حطموا مستقبله.. حطموا حياته”.

ويشير إلى سجن نجله على خلفية قضية “تخابر مع النظام الإيراني”، لكنه ينفي ذلك تمام، قائلا “نجلي لم يذهب إلى إيران في حياته”.

ويؤكد أن شقيقه ونجله “مستمران في الإضراب عن الطعام، حتى يتم معاملتهما بشكل إنساني، وتحقيق كافة المطالب المشروعة”.

والسجناء مستمرون في الإضراب عن الطعام حتى لو ماتوا جوعا، وهم على استعداد للموت كراما، على العيش تحت وطأة تلك الظروف غير الإنسانية”، حسبما يشدد عبد الهادي.

غيض من فيض!

تتفق الناشطة الحقوقية البحرينية، ابتسام الصايغ، مع جميع ما ذكره أهالي السجناء، لكنها تقول إن ذلك “غيض من فيض”.

وتسرد لموقع “الحرة” المزيد من التفاصيل عن معاناة طويلة وانتهاكات متواصلة يتعرض لها السجناء منذ 12 عاما، بينما الأوضاع “من سيئ لأسوأ”.

وتؤكد الناشطة تعرض السجناء لـ”التمييز الطائفي لكونهم من الشيعة”، ويتم حرمانهم من الحق بالصلاة وأداء شعائرهم، ولا يسمح لهم بدخول الكتب العلمية أو الدينية”.

وهناك انتقاء وتمييز فيما يتعلق بمنح الأسر الحق في زيارة السجناء، وعندما يتم الموافقة “تجرى الزيارة في أجواء غير آدمية”، وفق شهادتها.

وأماكن الاحتجاز غير نظيفة ولا يوجد بها مصادر تهوئة، وهي “ضيقة ومكدسة بالسجناء”، ويمنع النزلاء من الخروج منها طوال 23 ساعة يوميا، ولا يتم السماح لهم بالتشمس سوى لساعة واحدة كل يوم.

وبسبب ذلك “انتشر وباء كورونا بين السجناء سابقا”، ولم يتم علاجهم ولم تصارح إدارة السجن ذويهم بذلك.

وفي الوقت الحالي ينتشر بين السجناء الجرب والأمراض الجلدية والسرطانية، وهناك عدد كبير منهم مصاب بأمراض وراثية مثل “فقر الدم المجهري” ولا يتم متابعة حالتهم الصحية، ولا يتلقون العلاج ولا يتم نقلهم للمستشفيات.

وإذا تم نقل السجين للمستشفى يتم ذلك متأخرا وبعد تدهور حالته الصحية، ونتيجة هذه الظروف توفي بعض السجناء بالفعل، لكن لا يتم توثيق أسباب الوفاة الحقيقية، حسبما ذكرت الناشطة الحقوقية.

وتشير إلى أنه عند نقل السجين إلى المستشفى يكون “مكبل الأيدي والأرجل”، ويتسبب ذلك في “تعثر كبار السن منهم”.

وتفتقر بعض أماكن الاحتجاز لوجود “أسرة”، ويجب على السجناء النوم على الأرض، حسبما توضح الصايغ.

وتكشف الصايغ عن وجود “عناصر شرطة أجانب” يديرون السجن ويهددون السجناء، وبعد إضرابهم عن الطعام يقولون لهم “نريدكم أن تنتحروا وتقتلوا أنفسكم من الجوع”.

وفي حال إبلاغ السجين عن تعرضه لـ”انتهاكات”، يتعرض للانتقام من الشخص الذي انتهكه، وقال بعض هؤلاء لسجناء “أنتم تحت قبضتنا، ولن يحاسبنا أحد”.

قمع مستمر للمعارضين

في 14 فبراير 2011، خرج متظاهرون يطالبون بإصلاحات سياسية في البحرين، تتمثل بملكية دستورية وبرئيس وزراء منتخب.

لكن تم سحق الاحتجاجات سريعا في منتصف مارس من العام نفسه، بعد دخول قوات من الخليج وخصوصا من السعودية لدعم السلطات.

ومنذ ذلك الحين، تم حل حركات المعارضة الرئيسية، وسجن العشرات من المعارضين، وقد صدرت بحقهم عقوبات قاسية بينها الإعدام والسجن المؤبد كما تم تجريد بعضهم من الجنسية.

وفي ذلك السياق، يتحدث رئيس معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان، يحيي الحديد، عن تعرض السجناء السياسيين ومعتقلي الرأي لـ”انتهاكات واسعة”، منذ سنوات في البحرين.

ويكشف لموقع “الحرة” عن وجود قرابة ألف سجين سياسي بالبحرين على خلفية الاحتجاجات التي خرجت للمطالبة بإصلاحات سياسية.

وتم سجن هؤلاء في سجن “جو” حيث “لا توجد بيئة صحية سليمة”، ويتعرضون للتعذيب الممنهج وبينهم حالات صحية تعاني من أمراض مزمنة وخطيرة، لكن الحكومة البحرينية ترفض الإفراج عنهم، حسبما يؤكد الحديد.

ولا يسمح لسجناء الرأي بالاطلاع على الصحف والكتب، ولا يسمح للطلاب وصغار السن منهم بمواصلة الدراسة، بسبب كونهم من الطائفة الشيعية، وفق حديث رئيس معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان.

ويشير إلى أن كافة مطالب السجناء السياسيين “مشروعة”، لكن بيان وزارة الداخلية البحرينية جاء ليلتف عليها، ولا يوجد “تنفيذ حقيقي للمطالب”.

وأثار الإضراب مؤخرا احتجاجات في الشوارع نظمها أقرباء سجناء، وهناك وقفات نظمها نشطاء في بعض الدول مثل بريطانيا، حسبما يوضح الحديد.

ويؤكد رئيس معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان، أن السجناء السياسيين هم “معتقلي رأي”، ولم يخضعوا لمحاكمات عادلة في ظل وجود “قضاء مسيس” بالبحرين.

ويشدد على أن “وجودهم بالسجن غير قانوني أو مبرر”، وهناك خطر حقيقي يهدد “حياتهم”، ولذلك يجب الإفراج فورا عنهم.

وتواصل موقع “الحرة” مع مركز الاتصال الوطني في البحرين، للرد على ما جاء على لسان أهالي السجناء والنشطاء، حيث أكد أن “الحكومة تتعامل بشكل جدّي مع أي مزاعم لسوء المعاملة”.

وأضاف أنه “في حال وجود أي شكاوى، يتم التعامل معها في إطار قانوني من قبل الجهات الحكومية أو المؤسسات الرقابية”.

وبين أن “الحكومة تلتزم بحماية حقوق الإنسان وضمان الامتثال للمعايير الدولية في جميع التعاملات مع النزلاء”، لافتا إلى أن “مركز الإصلاح والتأهيل يتعامل بحرفية ومهنية مع الإضراب عن الطعام” المستمر منذ نحو أسبوعين.

وأشار  إلى أن “مركز الإصلاح والتأهيل يعمل على ضمان جميع حقوق النزلاء، بما في ذلك استمرار المكالمات الهاتفية والاتصال المرئي، والزيارات العائلية وفترة الهواء الطلق اليومية والفحص الطبي الروتيني اليومي”.

وأثناء الاحتجاجات، قالت البحرين إن إيران دربت المتظاهرين ودعمتهم من أجل الإطاحة بحكومة المنامة، وهو اتهام تنفيه طهران.

وترفض البحرين التقارير المتعلقة بانتهاك حقوق الإنسان وتنفي التمييز ضد مواطنيها الشيعة.

المصدر: الحرة