قدمة مختصرة عن تاريخ الحركات العمالية في البحرين
إنّ تاريخ الحركة العمالية في البحرين يعود لثلاثينيات القرن الماضي عندما قام عمال شركة نفط البحرين بالتحرك للمطالبة بتكوين نقابة عمالية تدافع عن حقوقهم وتحافظ على مكتسباتهم وتطالب بتحسين ظروفهم، وفي الخمسينيات بدأت الحركات العمالية والنقابات بالتطوّر حتى قامت بتأسيس اتحاد للنقابات اشترك فيه خمسة عشر ألف عامل، ولكن هذه التحركات قوبلت بالقمع من قبل السلطات في البحرين آنذاك، وانتهى هذا الأمر باعتقال الكوادر العمالية الفاعلة أو تهجيرهم قسراً وتم انهاء جميع مظاهر اتحاد العمال في ذلك الوقت، وتكرّر هذا المشهد في الثمانينات والتسعينات، وانتقلت على اثرها الحركات العمالية من العمل المطلبي العلني إلى العمل السري، وقام العمال بالمشاركة في المطالبات بالإصلاح السياسي جنباً إلى جنب مع المطالبات الشعبية في التسعينات ولم تتوقف تلك الاحتجاجات حتى أُجبرت السلطات في البحرين لإعلان إصلاح سياسي وطني وعلى اثره تم اطلاق سراح آلاف المعتقلين على خلفية مطالبتهم بالإصلاح ومطالبتهم بالحريات الأساسية وتم السماح بتشكيل نقابات عمالية واتحاد للنقابات وكذلك السماح بتشكيل جمعيات سياسية ومجلس برلماني، غير أنه وبعد مضي عشر سنوات من التجربة اجتاحت الشارع البحريني احتجاجات عارمة عام ٢٠١١ بعدما اكتشف الشارع أن جميع مظاهر الإصلاحات كانت شكلية فقط لا غير وإن السلطات أحكمت سيطرتها الفعلية على النقابات والاتحادات والبرلمان.
إخراس أصوات الحركات العمالية
لم تقبل السلطات في البحرين المطالبات المتكررة للنقابات العمالية في المشاركة في صناعة القرارات السياسية والاقتصادية والاجتماعية في البلاد وهو ما يعتبر أساسًا حق من الحقوق الأساسية وحق ديمقراطي أصيل، واستمرت السلطات في البحرين في نهجها الذي ينفرد في صناعة القرارات وباتت تمارس الظلم ضد الشريحة الإنتاجية والعمالية هذه وهو ممارسة من ممارسات الفساد الذي ينعكس سلباً على حقوق هذه الشريحة الواسعة في البلاد.
كما واستمرت السلطات في تعنتها ضد كثير من مطالب النقابات والاتحاد الدولي لنقابات العمال في ما يخص الكف عن التضييق و الانتهاكات التي تمارسها السلطة ضد الحركات العمالية في البحرين وضد العمال والنقابات والتي صلت ذروتها منذ بدء الاحتجاجات في البلاد عام ٢٠١١، فقد قامت السلطات البحرينية بتسريح آلاف العمّال من أعمالهم سواءً من القطاع العام أو من القطاع الخاص كعقاب جماعي لمشاركتهم في إضرابات عمالية، كما وقامت باعتقال المئات من النقابيين والآلاف من العمّال وتم توجيه اتهامات جنائية لهم سواء لمشاركتهم في الإضراب العمالي الذي حدث عام ٢٠١١ أو لمشاركتهم في الاحتجاجات التي شهدتها البلاد وتم فصل الكثير من أعمالهم و تعرّض الكثير منهم للتعذيب، ومثال على ذلك هو ما حصل مع رئيس جمعية المعلمين مهدي أبو ديب ونائبته جليلة السلمان اللذان تعرضا للتعذيب أثناء التحقيق والسجن.
ولم تكتفي السلطات البحرينية بالانتهاكات التي مارستها ضد النقابيين بل عمدت إلى التشهير بهم عبر الصحافة وقادت حملة شرسة للتشهير بهم واتهامهم بالخيانة و”تشويه صورة البحرين”، وطالبت النقابات العمالية بإعادة جميع من تم فصلهم غير أنه مازال الكثير لم يتم اعادتهم لأعمالهم وحتى أولئك الذين تم إعادتهم تم وضعهم في وظائف أقل رتبة وذات أجر أقل من وظائفهم السابقة.
كما طالبت النقابات بوضع حد لسياسة التمييز الطائفي في التوظيف وسياسة الاستغناء عن موظفين بسبب انتمائهم للطائفة الشيعية أو لمشاركتهم في احتجاجات مناوئة للسلطة، وهو ما يعتبر مخالف للاتفاقية الدولية الذي اعتمدها المؤتمر العام لمنظمة العمل الدولية في ٢٥ يونيو ١٩٥٨في دورته الثانية والأربعين “اتفاقية التمييز في مجال الاستخدام والمهنة الاتفاقية رقم ١١١“.
التراجع في مواد قانون النقابات العمالية
إن قانونالنقاباتالعمالية البحريني لسنة ٢٠٠٢ يعتبر متأخر حتى على قانون العمل لسنة ١٩٧٦، فالقانون الحالي يخلو من مذكّرة تفسيرية ويخلو من نصوص ومواد تحمي حقوق العمالة الوطنية وأوجد المشرّع في هذا القانون مواد مقيدة للحوار بين النقابات العمالية وبين السلطات، وأيضاً حَرَمَ القانون حق موظفين القطاع العام من تشكيل نقابات تدافع عن مصالحهم، وكذلك قيّدت المادة رقم ٢١ من القانون الحق الأصيل والوسيلة الفاعلة في دفاع العمال عن حقوقهم وهي حق الاضراب بمواد مكبّلة تحد من إمكانيتهم في تفعيل هذا الحق وتمكينهم من القيام بإضراب عمالي.
وفي سعي السلطة للقضاء على الحركات العمالية تم التعديل على القانون حيث تم منح وزير العمل الحق في اختيار الاتحاد العمالي الذي يمثّل عمّال البحرين في المحافل الدولية والمفاوضات مع أصحاب الأعمال، وأيضاً دفعت السلطة في اتجاه السيطرة على النقابات العمالية وتقسيمها لتضمن الهيمنة على أصوات العمال عبر دفع عناصر موالية لها لاختراق النقابات وتأسيس اتحادات موالية للسلطة لتضييق الخناق على الاتحاد العام لنقابات البحرين التي تنظر إليه السلطة انه أعلن مساندته للمطالبات الشعبية في التحول نحو الديمقراطية عام ٢٠١١.
ومنذ اكتوبر ٢٠١٢ خالفت السلطات القانون البحريني المادة: (٢١) من المرسوم الملكي بقانون النقابات البحريني لسنة ٢٠٠٢ التي تنص على أن الإضراب وسيلة مشروعة للدفاع عن المصالح الاقتصادية والاجتماعية للعمل، فقامت بمنع جميع المسيرات والتجمعات وعدم السماح بتنظيم أي فعاليات احتجاجية و كان هذا في تصريح لوزير الداخلية البحريني الذي نقل عبر وكالة أنباء البحرين ونقلته وكالات الأنباء العالمية مثل رويتر، وصرّح وزير الداخلية الشيخ راشد بن عبدالله آل خليفة أنه “سيتم التعامل مع المسيرات و التجمّعات الاحتجاجية على أنها غير مرخّصة وستتخذ الاجراءات القانونية تجاه الداعين لها أو المشاركين فيها“.
وحتى قبل أكتوبر 2012جرت العادة أن تواجه السلطات الأمنية في البحرين تلك الاحتجاجات بالقمع وعادةً ما تَجري مصادمات بين عدد من المتظاهرين ورجال الشرطة وتنتهي تلك المسيرات باعتقال السلطات للمواطنين، وفي مايو 2013وأثناء قمع مسيرات عمّالية تم اعتقال كل من: مصور وكالة الأنباء الفرنسية محمد الشيخ ومصور وكالة الأسوشيتد برس حسن جمالي، ومراسلة راديو مونت كارلو نزيهة سعيد وتم الإفراج عنهم لاحقًا، ولم تستجب السلطات في البحرين لمطالبات منظمات حقوق الإنسان أو مطالبات الاتحاد العام لنقابات البحرين بالالتزام بالدستور الذي يجيز الاحتجاجات والالتزام بقانون النقابات البحريني، وحيث أن الجدير بالذكر أن الأول من مايو تنظم النقابات والاتحادات العمالية في كل دول العالم مسيرات واحتجاجات تطالب فيها بتحسين الأجور وتعديل أوضاع ومطالب تطال التعديلات القانونية وغيرها من أنواع المطالبات العمالية.
الإتجار بالعمالة المهاجرة الفقيرة
يوجد في البحرين عشرات الآلاف من العمالة المهاجرة شديدة الفقر تعيش في ظروف شديدة البأس برواتب متدنية وفي أماكن سكن غير صالحة للسكن، ومن جانب آخر هنالك قوانين مكتوبة ولكن غير مطبقة، ففي عام ٢٠٠٧ أصدرت السلطات في البحرين قانون يحظر عمل عمال البناء أو العمال الاخرون تحت اشعة الشمس الحارة جداً في البحرين بين الساعة الحادية عشر إلى الثالثة عصراً خلال فصل الصيف، ونجحت حملات التفتيش في الحدّ من العمل تحت أشعة الشمس أوقات الحرارة العالية ولكن لازال استغلال لما يطلق عليه في البحرين “العمالة السائبة”، والعمالة الأجنبية الفقيرة في البحرين مثل العمّال في الطرق والبناء يواجهون في أحيان كثيرة مشاكل معيشية واقتصادية مع أصحاب العمل تصل لمستوى الإتجار بالبشر حيث يتقاضون رواتب متدنية جداً مما يضطرهم للعيش في غرف تقع في مساكن يستأجرها العمال أنفسهم بصفة فردية تكون غير صالحة للسكن، ويعيشون بأعداد كبيرة لا تتناسب مع مساحة الغرف وتكون المساكن متهالكة وآيلة للسقوط ولا تتوفر فيها اشتراطات السلامة والحماية.
إن القوانين في البحرين لم تنظّم اشتراطات سكن العمال في حال اختار العامل السكن بشكل منفرد وكان القانون قد ألزم الكفيل فقط بمواصفات سكن ملائم متعلقة بسلامة العمال، وفي اغلب الحالات أيضًا لا يستطيع العمال الأجانب من ذوي الأجور المتدنية اللجوء للشكوى في الجهات المختصة بسبب الإجراءات المطولة في حل النزاعات والقضاء الذي يحتاج لوقت طويل لصدور الحكم النهائي وبسبب أنهم لا يستطيعون البقاء لمدة طويلة دون تقاضي أجر مما يضطرهم لقبول تسوية غير عادلة خارج نطاق القضاء أو أماكن حل المنازعات العمالية ويقبل الكثير منهم للعودة لأوطانهم دون أخذ بقية اجورهم.
الاستعباد الحديث: استعباد خدم المنازل
إن قانون العمل البحريني لسنة 2012شمل مواد إيجابية بخصوص الخدم في المنازل الذي جرت العادة أن يكون الخدم من النساء حيث أوجب للخدم الحق في الخروج في إجازة سنوية مقدارها 30يوماً بواقع 2.5يوم عن كل شهر لكن في أغلب الحالات لا يلتزم الكفلاء بهذا القانون، ولم يتطرق القانون لساعات العمل في اليوم أو أجر العمل الإضافي أو إجازة نهاية الأسبوع، ولم يلزم القانون تحويل الراتب على حساب مصرفي ليضمن رقابة في حال ادعاء الخادمة عدم استلام رواتبها، وفي كثير من الأحيان يكون الكفيل شخصية متنفذة في البلاد ولا يمكن للخادمة تقديم شكوى ضده أو حتى اللجوء لسفارة بلادها، وفي كثير من الأحيان يتم إلزام الغير مسلمة بلبس الحجاب الإسلامي أو يفرض عليها دين غير الدين الذي تعتنقه وفي حالات يتم معاملة خدم المنازل بقسوة أو يتعرضن لاستغلال جسدي أو نفسي أو جنسي، و تتم معاملتهن كالرقيق.
التوصيات
توصي سلام للديمقراطية وحقوق الإنسان السلطات في البحرين التالي:
- ضمان ألا يواجه العمال والنقابات في البحرين أي نوع من المضايقات أو الانتهاكات بسبب تحركاتهم للمطالة بحقوقهم المشروعة.
- الكف عن فصل الناشطين في الاتحاد العام لنقابات العمال في البحرين او استخدام أي تدابير تعسفية ضدهم.
- إرجاع جميع العمال المفصولين بسبب مواقفهم السياسية أو انتمائهم المذهبي الى أعمالهم أو التوافق معهم بدفع تعويض مجزي خصوصاً المفصولين من العمل بسبب الحراك الشعبي في فبراير 2011.
- ضمان عدم استخدام أي نوع من أنواع التدابير العقابية ضد العمال لمشاركتهم في أي احتجاج مطلبي.
- تعديل مواد قانون النقابات والاستماع لمطالب الاتحاد العام لنقابات البحرين.