تصريحات رموز المعارضة، الاحتجاجات المستمرة، أصوات المغردين المطالبة بالتغيير على “تويتر” المتنفس الوحيد للتعبير في ظل القمع، تشكل دليلاً قاطعاً على أن الثورة الأكثر سلميّة لم تتراجع وان هدأت، وأن “لا خوف” بعد اليوم مهما كانت النتيجة: قمع، اعتقال، أو حجب.
“الثورة المنسيّة”، “الثورة السلميّة” أو “ثورة اللؤلؤة”… أسماء كثيرة أُطلقت على الثورة البحرينيّة منذ انطلاقها في 14 شباط/فبراير 2011. 10 سنوات، مرّت خلالها على البحرين محطات كثيرة ومتغيّرة، ولكن الثابت الوحيد، كان تلك الثورة، التي لم تغب تفاصيلها وتبعاتها عن ذاكرة البحرينيين.
في تلك الثورة التي تحلّ ذكراها العاشرة اليوم الأحد، تدفق الآلاف إلى الشوارع والميادين، يطالبون بالإصلاح والتغيير والحريّة، كما بإسقاط الأسرة الحاكمة، في أوّل موجة احتجاجيّة ضخمة يشهدها الخليج.
مليون و200 ألف هو عدد سكان البحرين عام 2011، خرج ثلثهم إلى الشوارع، هتفوا ضد الظلم ونصرةً للمظلوم، قُمعوا بالرصاص والقنابل المسيلة للدموع والضرب والاعتقال، وأطفئت ثورتهم في آذار/مارس من العام نفسه بالقوّة، وبمساعدة تدخل عسكريّ سعوديّ-إماراتيّ تحت مسمّى “درع الجزيرة”.
هدمت حتى ذكرياتهم، من خلال تدمير “دوار اللؤلؤة” في 18 آذار/مارس من العام نفسه، الذي كان مركز الاحتجاجات والصرخات، وشهد كل زاوية منه على القمع الذي تعرضوا له، وعلى اللحظات التي قرروا فيها أن يخرجوا عن صمتهم طمعاً فقط بأبسط حقوقهم: “العيش الكريم” و”الحريّة”.
ما كان يوماً موقعاً لثورة سلميّة، تملؤه آمال وتطلّعات إلى مستقبل أفضل، تحوّل الآن إلى مجرد طرق إسفلتيّة بلا روح.
وفي ذكرى الثورة اليوم، انتشار مكثف للأمن في عدة مناطق، خوفاً من تظاهرات إحياءً للذكرى، حيث شهدت عدة مناطق مساء أمس واليوم الأحد تحركات رفعت شعار “ثباتٌ حتى النصر”.
النظام البحريني سحق الآمال والتوقعات التي رفعتها ثورة 2011
وفي الذكرى العاشرة للثورة، أكدت منظمة “العفو الدوليّة” (أمنستي)، أن “اشتداد وطأة الظلم الممنهج في البحرين والقمع السياسي الذي استهدف المعارضين والمدافعين عن حقوق الإنسان ورجال الدين وجمعيات المجتمع المدني المستقلة، قد أغلق فعليّاً أيّ مجال أمام الممارسة السلميّة للحق في حرية التعبير أو مُباشرة النضال السلمي”.
بحسب المنظمة، لا تزال الحكومة البحرينيّة، بعد مرور 10 أعوام “تتجاهل التقارير الصادرة عن اللجنة البحرينيّة المستقلة لتقصي الحقائق، التي شكلت استجابةً لبواعث القلق الدوليّة التي أُثيرت بشأن قمع احتجاجات 2011.
وشددت المنظمة على أنّه خلال 10 سنوات من التغيّرات في البحرين “حُظِرت الأحزاب المعارضة، وأغلقت القوانين الجديدة المزيد من مساحات المُشاركة السياسيّة. كما أن قادة احتجاجات 2011 لا يزالون يرزحون تحت أوضاع مزرية بالسجون، ودأبت السلطات على الدوس على حقوق الإنسان، بشكل اعتيادي، بما في ذلك الحق في حرية التعبير”.
الثورة، الشهداء، أصوات المعارضة العاليّة، لم تردع النظام في البحرين من الاستمرار بشكل ممنهج في قمع المعارضة وكل حركات الاحتجاج رغم سلميتها.
سجل حقوق الإنسان لا يزال سوداوياً، ويزداد سوءاً يوماً بعد يوم. بحسب التقرير السنوي لعام 2021 لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، ينتظر 27 شخصاً تنفيذ حكم الإعدام، ويقضي 13 من المعارضين البارزين فترات سجن طويلة، ولا يزال حوالى 300 شخص بلا جنسيّة بعد سحب السلطات لها، بالإضافة إلى منع جميع وسائل الإعلام المستقلة من العمل وحلّ جميع جماعات المعارضة والتضييق على الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي.
الثورة المنسيّة.. لا تزال حاضرة في قلوب مطلقيها
لم تحظ الثورة البحرينيّة بأيّ زخم كبير في العالم. رغم أحقيتها وسلميتها، وكل القمع الذي تعرضت له. بقيت “ثورة منسيّة” في عالم ومجتمع دوليّ تحرك بزخم عندما انطلقت ثورات 2010-2011 في تونس ومصر وليبيا.
اختفت البحرين من نشرات الأخبار ومن صفحات الصحف العالميّة، ومن مطالبات الكثير من رؤساء العالم، الذين طالبوا بالحرية لشعوب أخرى، لكنهم تجاهلوا البحرين.
رغم صغر حجمها، إلا أن التظاهرات في البحرين لا تزال مستمرة، ولا نزال نرى صوراً ومقاطع فيديو لقبضات وشعارات مرفوعة كـ”ثبات حتى النصر”، “لا نخشى سجونكم”، و”ثورة حتى النصر”.
في ذكراها العاشرة، يتذكر البحرينيون ثورتهم، ويطالبون بالإفراج عن كل معتقلي الرأي والناشطين والحقوقيين، وبتحقيق تغيير ناشدوا بمثله عام 2011، لكن لم يستجب له أبداً.
وتحت وسم #ثبات_حتي_النصر_10، يغرّد البحرينيون منذ أمس السبت، عن ذكرياتهم، طموحاتهم، أحلامهم، وأملهم المستمر الذي لا يهدأ بالتغيير والعدالة وتحقيق كامل مطالبهم. كما يغرد ناشطون عرب وأجانب بكثافة داعمين للثورة ومطالبها.
رئيس معهد الخليج للديمقراطيّة وحقوق الإنسان يحيى حديد، اعتبر في تغريدة له على “تويتر”، أنّه “في مثل هذا اليوم من 10 سنوات، انطلقت الشرارة الأولى للاحتجاجات المطالبة بالديمقراطيّة والإصلاح والعدالة الاجتماعيّة. واجهت السلطات هذه الاحتجاجات بالقمع، لكنها لم تتمكن من إطفاء تلك الشرارة حتى اليوم”.
المغردون تذكروا أيضاً شهداء الثورة، وكل معتقلي الرأي والناشطين القابعين خلف السجون لمجرد معارضتهم للنظام، مطالبين بإطلاق سراحهم من دون قيد أو شرط، ومنهم الشيخ علي سلمان والحقوقي عبد الهادي الخواجة، المحكومان بالسجن مدى الحياة.
وأكد آية الله الشيخ عيسى قاسم، قائد الثورة البحرينية، اليوم الأحد، بأن شعب البحرين “سيواصل حراكه التغييري على طريق الإصلاح لا الإفساد حتى يوم النصر، وإحقاق الحقّ، وإخراج الوطن من محنته”.
الشيخ قاسم أشار في كلمة له خلال مراسم أقيمت في مدينة قم الإيرانية لمناسبة الذكرى الـ10 لانطلاق ثورة 14 شباط/فبراير، إلى أن “الحراك في البحرين هو من أجل وطنٍ للجميع خالٍ من الإخلال بالعدل والتلاعب بالثروة العامة والتحكم بظلم. من أجل وطنٍ حرّ نظيف لا يكون مزرعة للفساد والمفسدين”.
تصريحات رموز المعارضة اليوم، الاحتجاجات المستمرة، أصوات المغردين المرفوعة والمطالبة بالتغيير على موقع “تويتر” المتنفس الوحيد لهم للتعبير في ظل القمع، كلها تشكل دليلاً قاطعاً على أن الثورة الأكثر سلميّة لم تتراجع وإن هدأت، وأن “لا خوف” بعد اليوم مهما كانت النتيجة: قمع، اعتقال، أو حجب.