بقلم: إيمان شمس الدين
تصدرت المرأة المشهد البحريني في الحراك المطلبي جنبا إلى جنبا مع الرجل، لا على مستوى الشعار فحسب بل على مستوى العمل الميداني، حيث ألزمت نفسها والتزمت في المضي قدما في تحقيق المطالب حتى مع تقديم تضحيات كبيرة طالت استقرارها النفسي والأسري، إذ التغيير بطبيعته يتطلب تضحيات كبرى لتحقيقه، ولقيام دولة مدنية وملكية دستورية.
وحيث أنها كانت شريكة الرجل في العطاء والتضحية بكل جدارة بل في مواقع كثيرة تقدمت على الرجل ومارست دور الحماية له من فتك السلطة به. فقد اعتقلت حسب التقارير ٣٣٠ امرأة، تعرضت بعضهن للتعذيب الجسدي وأخريات للتعذيب النفسي، هذا فضلا عن الحالات التي تم تسجيلها حول الاعتداء الجنسي على بعضهن، وقد استشهدت نساء في بدايات الحراك المطلبي، أي وقع على المرأة تماما ما وقع على الرجل، حيث تحققت هنا الشراكة في النضال بكل معانيها الحقيقية، في مجتمع يعتبر مجتمع محافظ، لكنه في تاريخه المطلبي متقدم جدا في التنظير والعمل.
تقدم المرأة البحرينية اليوم نموذجا جديرا بالدراسة لأنه نموذج تغييري انقلابي على كثير من المسلمات الاجتماعية والمفاهيمية في حق المرأة، وما لحق هذا الفهم وترتب عليه من سلوك وقناعات اجتماعية شكلت بنية العادات والتقاليد التي ارتكزت مع التقادم في الفهم الاجتماعي بشكل عام، وبالتالي شكل عائقا في تطور مفهوم المجتمع حول المرأة ودورها وحقوقها وواجباتها كشريك في الوطن. فعادة في حالة التغيير المفاهيمي المتعلق بتغيير فهم الناس وطريقة تعاطيهم الاجتماعي حيث تتحكم بها العادات والتقاليد، هذه الحالة تتطلب زمنا قد يكون طويل نسبيا، بل وتضحيات كبيرة.
ولكن في البحرين وبعد انطلاق الحراك المطلبي في فبراير ٢٠١١م، كانت المرأة البحرينية السباقة في استغلال الحراك، لكن ليس تسابقا على إبراز ذاتها، ولا تحصيلا لشهرة اجتماعيا وتسجيلا لمواقف على حساب مطالب الناس كما تفعل النساء في بعض الحراكات المطلبية، بل لتثور هي بذلك على حقيقة الدور الذي يجب أن تلعبه كشريك للرجل في كل الساحات حتى في المعتقلات، وتحقق إنجازات حقيقية في تحريك مياه الفهم الراكدة حول المرأة ودورها ووظيفتها، واستطاعت بجدارتها وقدرتها على أداء دورها بتميز أن تلعب في مساحات مفاهيمية اجتماعية كثيرة وتحدث تغييرا جذريا بها، ليس على مستوى التنظير وإنما على مستوى التطبيق والعمل والممارسة في ساحات الثورة.
اليوم المرأة البحرينية مسؤولة أن تقود التغيير في الحراك النسوي في الخليج، وقبل ذلك قد تلعب المرأة البحرينية في الداخل البحريني دورا بارزا في القفز على مخططات العصف المذهبي بالمجتمع والنهوض مجددا بمبدأ التعايش الاجتماعي القائم على التعددية، والذي يحكمه قانون الشراكة الوطنية ومظلة المساواة في المواطنة ليحل محل ما سعت لتجذيره السلطة، وهو الخلاف على أساس الاختلاف المذهبي لتداخل العقدي بالسياسي. فهي لعبة كثير من الأنظمة في ترسيخ الفرقة على أساس عقدي لينشغل الشعب عن الاستحقاق الحقيقي في التغيير والإصلاح، ويخلق في مخيلتهم أعداء وهميين هم في الواقع شركاؤه في الوطن، وشركاؤه في المصير والحقوق والواجبات، ليعيش كل طرف حالة التوجس من الآخر بدل حالة التعايش والاطمئنان.
وكون المرأة البحرينية لم تخض إلى الآن بشكل مباشر هذه الجدليات السياسية التي غالبا ما تؤدي إلى الخلاف مع الشريك في الوطن، لغياب ثقافة الاختلاف من الذهنية العربية والخليجية خاصة، وتوغل الرجل في هذا الوحل لاعتبارات اجتماعية ومفاهيمية ودينية أبعدت المرأة عن العمل السياسي، مما قلل اليوم في ظل الانقسام المذهبي الذي رسخته كثير من الأنظمة لتحجيم الحراك ومذهبته، هذا الوضع قلل من فرص التلاقي مع الشريك الآخر المتوجس بتوجسات أغلبية الأنظمة وملوثاتها السياسية الوهمية، وباتت المرأة من وجهة نظري أكثر قدرة لخلو تاريخها من الصراعات السياسية غالبا، على خلق حالة جديدة في إعادة نبض الحياة للتعايش وخلق الجسور بين الفرقاء لبعث التعددية من جديد، من خلال إعادة تجسير العلاقة مع شريكاتها في الوطن ومحاولة عمل ثغرة في الجدار الصامت معهن، وكون المرأة تميل للعاطفة غالبا، فاستغلال هذا العنصر في مد الجسور، من خلال إبراز معالم الممارسات التي مورست من السلطة ضد نساء شركاء لهن في الوطن، وأن اليد التي مدت عليهن كمعارضات فهي ستتجرأ عليهن غدا إذا اعترضن أو أصبحت لديهن مطالب مغايرة لأهواء السلطة ، فالأصل في التعامل هو مدى الولاء من عدمه.
اليوم المرأة البحرينية أمام استحقاقين:
الأول: في داخل الجمعيات والتيارات وخاصة الاسلامية منها في محاولة لتطوير الرؤية الخاصة بالمرأة، والنهوض بها وبدورها كي يتناسب مع حجم ما قدمته من تضحيات، وأثبتته من جدارة في الشراكة لتنتقل من مرحلة التلقي والتبعية والتطبيق، إلى مرحلة الصناعة والشراكة حتى على مستوى القرار والتخطيط، فتصبح شريكة وليست منفذة لما ينتجه عقل الرجل.
الثاني: على مستوى الوطن والجوار، وهو ما يتطلب رص صفوف النساء المعارضات ورسم رؤية استراتيجية في إعادة منهج التعايش والتعددية وردم هوة المذهبية في جدار الوطن وتفويت الفرصة على السلطة التي تريد تضييع استحقاق التغيير والإصلاح، والتشبيك مع شريكاتهن في النضال الحقوقي والمطلبي والإصلاحي في الخليج، لتوحيد الرؤى والمطالب وأدوات التغيير وتقريب وجهات النظر، وتشكيل لوبي ضاغط موازيا لشركائهن الرجال، وهو ما يوحد الجهود باتجاه هدف مشترك ومصيري للجميع.
فالمرأة البحرينية تستحق أن يُعاد النظر في دورها و موضعتها من جديد بما يتناسب مع حجم التضحيات التي قدمتها والتي تفوق نوعيا تضحيات الرجال، لخصوصية المرأة، وهو ما يجب على الرجل أن يراجع من خلاله قناعته المحدودة والمؤطرة في دورها، وعلى المرأة في الإصرار علي تغيير هذه القناعات ورسم قناعات أكثر اتساقا مع دورها وتضحياتها.