كتابة: يحيى الحديد، رئيس معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان
عندما أعلن الرئيس الأمريكي آنذاك دونالد ترامب خبر تطبيع البحرين مع إسرائيل على حسابه على تويتر—بتغريدة قال فيها: “الدولتان الصديقتان العظيمتان إسرائيل ومملكة البحرين تصلان إلى اتفاق سلام”—بدا على الفور أن هدف الانضمام إلى اتفاقيات أبراهام، بالنسبة للبحرين، لم يكن متعلقًا بإسرائيل بقدر ما هو متعلق بالولايات المتحدة. عندما أصبحت البحرين ثاني دولة عربية تعترف بدولة إسرائيل في أقل من شهر في سبتمبر/أيلول 2020، بعد الإمارات العربية المتحدة، رأت البحرين التطبيع وسيلة لتعزيز علاقاتها الوثيقة بالفعل مع الولايات المتحدة وتوطيد وضعها في واشنطن، وخاصة بين المؤيدين للجالية الإسرائيلية، من أجل تعزيز الدعم الأمريكي للبحرين وصرف النقد عن سجل حقوق الإنسان في المملكة.
وعلى الرغم من ذلك، رأت الحكومة البحرينية منافع من علاقتها مع إسرائيل، بما في ذلك قدرات إسرائيل الأمنية والاستخباراتية الأكثر تقدمًا، بدءًا من برنامج التجسس بيغاسوس، الذي استخدمته البحرين ضد المعارضين والنشطاء السياسيين الذين تعتبرهم تهديدات داخلية للنظام الملكي. فكما قال وزير الداخلية البحريني في تصريح واضح عندما تم التوقيع على اتفاقيات أبراهام—نظرًا لأنه لا يعلق عادة على السياسة الخارجية—إنّ التطبيع مع إسرائيل يهدف أيضًا إلى حماية “الأمن الداخلي” البحريني من “خطر” إيران المستمر في المنطقة.
بعد عام ونصف، من الواضح أن البحرين، مثل الإمارات العربية المتحدة، لم تأخذ بالاعتبار رأي مواطنيها عندما قامت بتطبيع العلاقات مع إسرائيل. على الرغم من حملات الترويج التي صاحبت اتفاقيات أبراهام، إلا أن التطبيع لا يعني، على سبيل المثال، فتح أبواب الجامعات أو المعامل البحثية الإسرائيلية للبحرينيين والمواطنين الخليجيين الآخرين. تم استخدام كلمة إقامة علاقات “بين الشعوب” لترويج الاتفاق بين الأنظمة الاستبدادية في الخليج وحكومة الفصل العنصري في إسرائيل.
الأنظمة الحاكمة في الخليج تعرف جيدًا حدود اتفاقيات التطبيع هذه، لكن لديهم أهداف أخرى.
يعتبر النظام البحريني من أضعف الأنظمة في الخليج. يميل هذا النظام إلى التوافق مع السياسات السعودية والإماراتية، أو حتى مطالبهم. خذ على سبيل المثال الحصار المشترك لقطر من قبل جيرانها الذي بدأ في عام 2017. لم يكن للبحرين أي مصلحة في مواجهة قطر، لكن السعوديين والإماراتيين استخدموا هذا الحصار كأحد الأسلحة الرئيسية في خلافهم مع قطر. في الآونة الأخيرة، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، حثت البحرين علنًا مواطنيها على مغادرة لبنان وحظرت جميع الواردات اللبنانية بعد أن فعلت السعودية الشيء نفسه وقامت بسحب سفيرها، وسط خلاف مع لبنان إثر تصريحات وزير لبناني انتقد الحرب التي تقودها السعودية في اليمن.
التطبيع مع إسرائيل يندرج في هذا النمط. البحرين لم تكن لتطبّع العلاقات مع إسرائيل لو لم يكن هناك اتفاق سعودي إماراتي مسبق حول هذا الأمر.
من ناحية أخرى، من الواضح أن إسرائيل هي المستفيد الأكبر من اتفاقيات أبراهام. فقد أصبح لديها أسواق جديدة غنية بالنفط في دول الخليج تتبضع من صناعة الأسلحة الإسرائيلية بميزانيات ضخمة. يعمل الجيش الإسرائيلي على تعميق تعاونه مع جيشي البحرين والإمارات تحت مظلة الولايات المتحدة. أجرت الدول الأربع أول مناورات بحرية معترف بها علنًا في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي في البحر الأحمر. يمكن لإسرائيل، من خلال الدعم الدولي لقيام المزيد من الحكومات العربية بتطبيع العلاقات معها، أن تقوض الدعم الإقليمي للفلسطينيين. اعترف مسؤول أمريكي ساعد في إبرام اتفاقات أبراهام بأن هدفهم بالكامل كان عزل الفلسطينيين—وحصارهم “في جزيرة”.
بطبيعة الحال، فإن علاقة البحرين غير السرية مع إسرائيل سبقت اتفاقيات أبراهام. فقد أكد الملك البحريني حمد بن عيسى آل خليفة، في لقاء مع السفير الأمريكي في المنامة في فبراير/شباط 2005، وجود اتصالات بين البحرين والموساد، وهو جهاز المخابرات الإسرائيلي. كما ألمح الملك إلى استعداد البحرين لتعزيز علاقاتها مع إسرائيل في مجالات أخرى، لكنه اعترف بأنه “سيكون من الصعب على البحرين أن تكون الأولى في هذا الأمر”. وفي عام 2017، ذكر الملك أنه عارض المقاطعة العربية لإسرائيل وأراد أن يتمكن البحرينيون من السفر إلى هناك بحرية، على الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية.
ثم أصبحت العلاقات بين البحرين وإسرائيل علنية بشكل أكبر في عام 2019، عندما تلقت ستة وسائل إعلام إسرائيلية دعوات رسمية للبحرين لتغطية ما يسمى بمؤتمر السلام الذي نظمته إدارة ترامب، تحت شعار “السلام من أجل الرخاء.” في مايو/أيار 2020، أغلقت السلطات البحرينية البث المباشر لندوة عبر الإنترنت بعد دقائق فقط من بدئها نظمتها جمعية الشباب الديمقراطي البحريني تنتقد التطبيع الخليجي مع إسرائيل.
لذا لم يكن تحرك البحرين لتطبيع العلاقات بشكل كامل مع إسرائيل مفاجأة. كان البحرينيون—ولا يزالون حتى اليوم—يعارضون التطبيع إلى حد كبير، على الرغم من تغطية الحكومة البحرينية على ذلك. رفض العديد من النخب البحرينية وعلماء الدين والجمعيات السياسية ومنظمات المجتمع المدني بشكل قاطع فكرة التطبيع. نزل الكثير من البحرينيين إلى الشوارع للاحتجاج السلمي بعد الكشف عن اتفاق أبراهام، مظهرين تضامنهم مع الفلسطينيين ومعارضة الاحتلال الإسرائيلي، وأدانوا “خيانة” الحكومة البحرينية للقضية الفلسطينية. ردت قوات الأمن البحرينية بقوة مفرطة. ثم لاحقت السلطات المواطنين الذين شاركوا في تلك المظاهرات. ومع ذلك، استمرت الاحتجاجات، بما في ذلك في الخريف الماضي عندما زار وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد البحرين لافتتاح أول سفارة لإسرائيل في المنامة.
في حين لا يزال البحرينيون أنفسهم يتحدون ويواصلون التعبير عن معارضتهم للتطبيع مع إسرائيل، يظل حكام المملكة تابعين لجيرانهم، وخاصة المملكة العربية السعودية، متبعين خطاها ومنتظرين توجيهات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان. لكن الحكومة البحرينية تقوض شرعيتها بشكل أكبر من خلال تجاهل شعبها، في بلد يدعم فيه المجتمع المدني الفلسطينيين لعقود من الزمن، وحيث كانت المعارضة العلنية للتطبيع واضحة قبل اتفاقيات أبراهام بوقت طويل.