البابا في البحرين بهدف الحوار..والحوار بين الحكم والشعب معدوم

بقلم: يحيى الحديد 

 

البابا فرنسيس في زيارة تاريخية للبحرين، للمشاركة في منتدى الحوار بين الشرق والغرب الذي تستضيفه المنامة بين الثالث والسادس من نوفمبر من العام ٢٠٢٢.

  معروف عن الرجل أنه منفتح، يتقبل كل الآراء، ويدعم الحوار، ويسعى لتحقيق العدالة الاجتماعية، الا أنه يحضر الى بلد  هدمت سلطته 38 مسجداً، وشملت علماء الدين الشيعة بـ19 قراراً لإسقاط جنسية من أبرزها أحد آباء الدستور في البحرين سماحة آية الله الشيخ عيسى قاسم، الزعيم الأبرز للطائفة الشيعية.

 

  يحضر الى بلد حلّت فيه السلطة  المجلس الإسلامي العلمائي الذي يعد أعلى هيئة دينية، وشطبت قرابة 100 ألف بحريني من القوائم الانتخابية، ووسعت مشروع العزل السياسي، الذي حرمت بموجبه أعضاء الجمعيات السياسية المعارضة التي تم حلها من حقوقهم السياسية.

والمعروف عن البابا أنه طلب في عام 2000 إضافة دعم «النظام الديكتاتوري» بوصفه خطيئة قام بها عدد من رجال الكنيسة، وقال إن كنيسة الأرجنتين يجب أن تكّفر عما فعله بعض أبنائها، وبحسب صحيفة الواشنطن بوست فإن آخر ما قام به البابا قبل نهاية ولايته كرئيس مجلس الأساقفة الكاثوليك الأرجنتيني، الاعتذار عن «التقاعس» في تحقيق رسالة الإنجيل الاجتماعية خلال مرحلة الديكتاتورية العسكرية في البلاد، ليكون بذلك أول شخصية رسمية تقدم اعتذارها، كما عارض خلال رئاسته أبرشية بيونس آيرس عددًا وافرًا من قرارات الحكومة، خلال احتجاجات 2001 منتقدا طريقة تعامل الشرطة ووزارة الداخلية مع المتظاهرين. 

الا انه يحضر ايضا الى بلد،منعت فيه السلطة الاحتجاجات السلمية التي انطلقت في ١٤ فبراير من العام ٢٠١١، وتم اعتقال ما يزيد على ٢٠ الف مواطن معارض، أفرجت عن البعض منهم ولا يزال ما يزيد على ٤٢٠٠ معتقل رأي محتجز داخل السجون، في بلد صغير لا تتعدة مساحته ٦٥٠٠٠ متر مربع.

   تقول صحيفة التلغراف “إن اختيار البابا لاسم فرنسيس يكشف عن الخلفية التي جاء منها، وطريقته المتوقعة لإدارة الكنيسة ولكنه في الوقت ذاته صعّب من مهمته في المرحلة المقبلة… إذ يعرف القديس فرنسيس، الذي بزغ اسمه في القرن الثالث عشر بأنه كان من أتباع التيار الإصلاحي في الكنيسة، وقد ترك حياة الترف واختار حياة الزهد تاركًا عائلته وأصدقاءه، وبدأ بالدعوة إلى مساعدة الفقراء ونادى بإعادة بناء الكنيسة”. وقد أشار الأب غيليرمو ماركو أقرب مساعدي البابا، أنه اختار “هذا الاسم من أجل محاربة الفقر، فلطالما كان من كبار المعجبين بفرنسيس الاسيزي”.

 

صفات هذا الرجل، وقناعاته، تتنافى مع سياسة من دعاه الى البحرين (أي الملك)، حيث أن ثلث عائدات النفط في البحرين تذهب للملك فقط، وهناك مئات الأسر الفقيرة التي تعاني انعداما في الحاجات الأساسية، هذا فضلا عن رفع الدعم عن السلع الأساسية، وفرض زيادة على ضريبة القيمة المضافة بما يوازي العشرة في المئة، وكل زيادة قي عائدات النفط تذهب للديوان الملكي دون أن يستفيد منها المواطن ولا حتى لناحية رفع مستوى دخل الفرد.

ويمارس الديوان الملكي في البحرين الاضطهاد بأنواعه المتعددة ضد من يثبت انتماؤهم إلى مذهب الإمامية، الذي يعتنقه غالبية السكان في البلاد.

كما تؤكد منظمات حقوقية أن التمييز والاضطهاد الطائفي سياسة ممنهجة ضد المواطنين الشيعة في سلك التعليم والبعثات الدراسية والوظائف والمعتقدات.

 

وبعكس ما صرح عنه رئيس إدارة الأوقاف الجعفرية، بأن هذه الاخيرة يديرها الوقف الشيعي، حيث أن ملك البحرين أصدر في 19 من يناير الماضي مرسوما بشأن تنظيم مجلسي الأوقاف والجعفرية وإدارتيهما يسمح بتقويض استقلالية الشأن الديني،  حيث أصبحت هذه المؤسسة ضمن ملاك الدولة وهي من تدير أموالها، كما اتهمت السلطة أكبر مرجعية في البلاد باستيفاء أموال الخمس، وقضت بتسفيره الى خارج البلاد، وهو يعد المرجعية الدينية الاولى للبحرينيين، ألا يرغب البابا بلقائه خلال زيارته؟

   ويضاف الى هذا المشهد عدم سماح السلطات في الأغلب للمواطنين الشيعة الذين يمثلون أغلبية في البلاد بالعمل في المؤسسات العسكرية،مثل الجيش والحرس الوطني والحرس الملكي ويوجد أعداد محدودة فقط برتب عسكرية متدنية وفي أقسام هامشية.

وعملت السلطات على حرمان آلاف المواطنين من حقهم في الانتخاب بعد أن اسقطت أسمائهم من قوائم الناخبين لأنهم تخلفوا عن التصويت في الدورة الماضية للانتخابات..وفرضو قانون العزل السياسي، والذي بموجبه أصدرت هيومن رايتس ووتش تقريرها عن الانتخابات في البحرين، واصفة الاستحقاق القادم في ١٢ نوفمبر بالمهزلة.

   هذا وتعيش اليوم 550 عائلة بحرينية في الخارج والداخل بين أفرادها ضحايا مسقطة جنسياتهم، ​​علما أن عدد سكان البحرين من المواطنين هو 700 ألف وهو تعداد يقارب تقريبا تعداد سكان دولة الفاتيكان البالغ 800 ألف نسمة.

وكان أعلن وزير خارجية ‎البحرين في خطابه بمقر الأمم المتحدة بنيويورك أنه حتى الآن ،تم تطبيق العقوبات البديلة لـ 4200 سجين بحريني، وهي المرة الأولى التي يذكر فيها مسؤول حكومي وجود هذا العدد من السجناء ،والذي يعادل تقريبا 0.5 بالمئة من سكان البحرين.

ومن رسالة العلماء الى البابا نقتبس التالي، إن أبناء هذه الأرض بين قتيل ضمه القبر، وأم ثكلى، وجريح يعاني، ومقيّد غيّبته السجون، وملاحق مطارد، ومنفيّ أخرج من دياره وأهله، وباقٍ في أرضه صابرًا محتسبًا، وقد وثق تقرير بسيوني وغيره من المنظمات الحقوقية العالمية الكثير من الانتهاكات التي تعرض لها أبناء هذه الارض.

وفي خطابه الأول من الصخير، بين البابا أن سياسة الاعدام معمول بها في البحرين، مطالبا بلطف أن لا تستمر، ولكن هل يمكن للبابا أن يراجع حساباته في الهدف من وراء زيارته، وأن يطالب الحكم في البحرين ولو سرا بفتح حوار حقيقي مع شركائه في الوطن لفتح المجال أمام مزيد من الحريات وهو الذي توقف مليا عند المادتين ١٨ و٢٢ من الدستور واللتين تقران بالمساواة بين المواطنين وبالتساوي في الكرامة والحقوق؟